top of page

أزمة الغاز في المتوسط
قصة سرقة تركيا لغاز قبرص
مقالة نيكولا زوكالوفا 
ترجمة أحمد ساس 

في الثامن من تموز ٢٠١٩، أسقطت سفينة الحفر التركية المسماة يافوز مرساتها قبالة الساحل الشرقي لشبه جزيرة كارباسيا في قبرص، بحثًا عن الموارد الطبيعية، متجاهلة بذلك حقيقة أن الحقول يقعوا ضمن المنطقة الاقتصادية البحرية التابعة لجمهورية قبرص (EEZ)، والتي تضمنها اتفاقية الأمم المتحدة لعام ١٩٨٢ بشأن قانون البحار (UNCLOS) كمجال لسيادة الدولة فوق سطح البحر واستكشاف الموارد الطبيعية تحت مستوى سطح البحر}١{. يافوز هي سفينة الحفر الثانية التي أرسلتها أنقرة إلى المنطقة الاقتصادية التابعة لقبرص خلال الشهرين الماضيين. أما الأولى تسمى الفاتح، حيث كانت تعمل منذ مايو قبالة الساحل الغربي لجزيرة قبرص، العضو في الاتحاد الأوروبي، مما دفع نيقوسيا إلى إصدار أوامر اعتقال الطاقم لانتهاكهم حرمة أراضيها السيادية. من الناحية القانونية، تحتفظ جمهورية قبرص بالسيادة الكاملة على أراضي الجزيرة ومياهها الإقليمية (بما في ذلك المنطقة الاقتصادية التابعة لها)، على الرغم من احتلال تركيا منذ ٤٥ عامًا للشمال، حيث أعلنت فيها دولة " جمهورية شمال قبرص التركية“التي لا تزال غير معترف بها.

 

 إن تنقيب أنقرة في المنطقة الاقتصادية التابعة لقبرص ينتهك القانون الدولي، على الرغم من ادانة المجتمع الدولي، يبدو أن أنقرة مصممة على زيادة التوترات وزيادة تنفير حلفائها التقليديين في الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي منها من خلال سرقة موارد قبرص.

 

 يعتقد أن شرق البحر المتوسط ​​غني بالموارد الطبيعية منذ اكتشاف الغاز لأول مرة في عام ٢٠١١، تعمل قبرص على تطوير حقولها البحرية لضمان إيرادات من مصنع الغاز الطبيعي المسال الذي تمتلكه، والذي سيحولها لمركز إقليمي للموارد الهيدروكربونية. 

إن احتياطي الغاز الذي تمتلكه سيعود بالنفع على أوروبا ايضاً، من خلال خط امداد البحر المتوسط، الذي يصل قبرص بإسرائيل ثم اليونان وإيطاليا.

 

منذ اكتشاف حقل غاز افروديت في عام ٢٠١١ من قبل شركة نوبل انيرجي، جذبت قبرص انتباه الشركات العملاقة لاستخراج الطاقة، حيث منحت في ذلك الوقت حقوق تنقيب لشركات مثل اكسن موبل، فرانسس توتال و ايتاليز اني، في عام ٢٠١٩ اكتشف حقل مهم آخر، يقدر ب ٥-٨ مليار قدم مكعب، عن طريق تحالف شركتي أكسينموبل وقطر للغاز، لكن الوضع رفض بالاستهجان من تركيا التي اعترضت بشكل متكرر بسبب ادعاء امتلاكها حقوق التنقيب في الجزء المحتل من قبرص.
 

التصعيد والادعاءات التركية

تركيا هي الدولة الوحيدة التي لا تعترف بجمهورية قبرص وقد حذرت مرارا شركات الطاقة التي تعمل مع نيقوسيا لوقف الحفر في جميع أنحاء الجزيرة. 

في أوائل عام ٢٠١٨، مُنعت السفن الحربية التركية سفينة إيني من دخول المنطقة الاقتصادية التابعة لقبرص. 

تدّعي أنقرة انها بذلك تحمي حقوق القبارصة الأتراك حيث أن هناك ترخيص تنقيب منح لشركة وطنية تركية أصدرت عن طريق الحكومة القبرصية التي لا يعترف فيها أحد وليس لها سلطة قانونية على الجزيرة ومواردها.

 بعد التقارير التي عن اكتشاف حقول النفط في يناير ٢٠١٩، بدأت تركيا محاولات لتأمين حصتها من الثروات القبرصية وأرسلت بسفينة أبحاث الزلازل ( بارباروس) للمنطقة الاقتصادية التابعة لقبرص. 

في ٢٨ مارس، بعثت حكومة شمال قبرص التركية برسالة عن طريق ممثل تركيا في مجلس الامن الدولي الى الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس ، تدعي بأحقيتها بحصص في الثروات المكتشفة، بحجة انها ستؤدي الى تعاون بين قسمي الجزيرة المنقسمين، مستخدماً موضوع قبرص الحساس للكسب المادي. 

على كل حال، هذا الامر مرفوض من الجانب القبرصي، لأنه يعني التخلي عن السيادة على مواردها الطبيعية البحرية وإضفاء الشرعية على الاحتلال التركي. من جانبها، نيقوسيا توافق على تقسيم الثروات على كل الجزيرة، لكن بعد حل مشكلة الاحتلال التركي أولا. 

 

تصاعد الوضع مع بدء عمليات حفر سفينة "الفاتح" في المنطقة الاقتصادية البحرية في غرب قبرص في أوائل شهر مايو وإضافة الى الخطاب شديد اللهجة من قبل السلطات التركية، مما أدى الى إدانة دولية لعمليات الحفر، حيث قال الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، أثناء حديثه في اجتماع مجلس شمال المتوسط بمجلس حلف شمال الأطلسي (الناتو) في أنقرة في مايو، انه يتوقع دعم الناتو لتركيا في النزاع مضيفاً انها حقوق مشروعة لتركيا والأتراك القبارصة الشماليين، مضيفاً ان هذه الحقوق ليست مجالاً للنقاش.

 في التاسع من مايو أيضاً، أكد وزير الخارجية التركي مولود شاويش اوغلو أن تركيا لن تتردد بأخذ الخطوات اللازمة بهذا الشأن. 

كما هي العادة، تركيا أكملت محاولات فرض تأويلها للقانون الدولي، وذلك بإرسال سفينة تنقيب ثانية في الثامن من تموز. 

 

توقيت الأفعال التركية

تركيا كررت مراراً تهديداتها بشأن حقوق التنقيب حول قبرص، لكن تصعيدها الأخير يعتبر أكثر عدائية في طريقة تعاملها مع الموضوع، هذه العدائية المتزايدة تعكس وضعها السياسي والاقتصادي الهش داخلياً، حيث أن قرار أنقرة بتخفيف اعتمادها على استيراد مصادر الطاقة للتخفيف من الآثار السلبية لتهاوي الليرة التركية، سيضاعف من رغبة تركيا بالحصول على موارد من شرقي حوض المتوسط لدعم اقتصادها الداخلي، إضافة الى ذلك، خلق هذا النوع من النزاع سيؤدي الى تحويل أنظار الشعب عن السياسات الداخلية للحزب الحاكم باستعراض عضلاتها في الخارج، حيث أكدت نتائج الانتخابات المحلية انخفاض شعبية حزب العدالة والتنمية مما أدى الى خسارته المدن التركية الكبرى، مع ذلك، حافظ حزب العدالة والتنمية على الأغلبية بسبب تحالف مع حزب الحركة القومية المحافظة، مما ساهم ايضاً في تشديد مواقف تركيا تجاه الغرب حيث يشترك الطرفان بسياسات التنمر على قبرص. 

 

الردود الدولية وتغير التحالفات في الشرق الأوسط

إن سياسات أنقرة اثارت غضباً دولياً وموقفاً داعماً لقبرص، حيث شجب مسؤولي الاتحاد الأوروبي تصرفات تركيا ووصفوها بأنها غير قانونية، وحثوها على وقف هذه الأفعال او مواجهة تدابير من الاتحاد الأوروبي، مما يشير على إمكانية فرض عقوبات محددة الهدف على تركيا لثنيها عن افعالها، تمت مناقشة الخيارات من قبل المفوضية الأوروبية ودائرة العمل الخارجية الأوروبية في العاشر من يوليو الشهر الحالي، وفي نفس اليوم، في تغريده على موقع تويتر، قال دونالد تاسك، رئيس المجلس الأوروبي، ان المجلس وكافة مؤسسات الاتحاد الأوروبي ستقف موقف تضامن مع قبرص.

 

 الى الآن آلية الرد لم تحدد، وفي الوقت نفسه، رفضت تركيا فكرة أن الحفر كان غير قانوني وردّت على أن الاتحاد الأوروبي كان متحيزًا، متخذةً قرار بمواصلة أنشطتها في المنطقة الاقتصادية القبرصية. بعد وصول سفينة الحفر الثانية العديد من المسؤولين من مصر، فرنسا، روسيا والولايات المتحدة عبروا عن تضامنهم مع الموقف القبرصي وناشدوا تركيا أن توقف عمليات التنقيب. 

واشنطن من جهتها ترى أن تركيا أصبحت شريكًا غير موثوق، وستواجه قريباً عقوبات نتيجة شراء منظومة الدفاع الروسية (اس ٤٠٠) وتتجه اليوم لتقوية علاقاتها مع دول أخرى في المنطقة. اليوم، هناك مسودة قرار ينتظر الموافقة من مجلس الشيوخ يسمح برفع الحظر المفروض على قبرص منذ ٣٢ عام ويجيز تقديم مساعدات عسكرية لقبرص واليونان ويدعم شراكة الولايات المتحدة في شرق المتوسط مع إسرائيل. 

 

***

 

إن مركز معلومات أوروبا والخليج (إجيك) سيواصل متابعة آخر التطورات في شرقي حوض المتوسط وخصوصاً وسط إصرار تركيا على تصعيدها للعلاقات مع، وحوالي، قبرص. إن ما يحدث في تركيا سيكون له آثار مدوية في جميع أنحاء الشرق الأوسط وأوروبا، حيث أن فهم أصول الأزمات أمر مهم لإنهائها. 

 

***

 

١-راجع الإحداثيات والخريطة التوضيحية للحدود الشمالية والشمالية الغربية للمنطقة الاقتصادية لقبرص المقدمة من وزارة الشؤون الخارجية القبرصية إلى الأمين العام للأمم المتحدة في 4 مايو:

 https://www.un.org/Depts/los/LEGISLATIONANDTREATIES/PDFFILES/DEPOSIT/Cyprus_Deposit.pdf

bottom of page